عصر المعلومات الزائدة information overloaded (الجزء الأول – فلترة المعلومات)

عصر المعلومات الزائدة information overloaded (الجزء الأول – فلترة المعلومات)

 


عصر المعلومات الزائدة Information Overloaded (الجزء الأول – فلترة المعلومات)



يعتبر العصر الحالي الذي نعيش فيه عصر ““Information Overloaded أو عصر الحمل الزائد للمعلومات, فمن خلال الإنترنت ووسائل التواصل
الاجتماعي ومواقع الفيديو تتدفق إلينا كميات كبيرة من المعلومات والتي أصبح الكثير
منا للأسف ينظرإليها على أنها شكل من أشكال التعلم والتفاعل الإجتماعي الإيجابي
دون النظر إلى الإنتاجية المحققة من تلك المعلومات.


 فلا يجب أن نغفل
ضعف قدراتنا الدماغية البشرية على استيعاب هذا الدفق المعلوماتي الكبير وتفنيد تلك
المعلومات الواردة وربطها مع المعارف المكتسبة والبناء عليها لتطوير واكتساب معارف
جديدة, بل قد يكون ذلك الحمل الزائد من المعلومات سببا أساسيا لتشتيت انتباهنا عن
الأولويات المهمة في التفكير والتعلم واتخاذ القرار, ناهيك عن صعوبة التحقق من صحة
تلك المعلومات التي تنطوي على عدد ضخم من الشائعات والآراء المتحيزة لمعلومات قد
تكون غير دقيقة أو خاطئة (وهو ما اصطلح عليه بتلوث المعلومات
information pollution), او ربما تكون
صادرة عن اشخاص قد لانكون قادرين على تحديد مدى كفائتهم حتى يعبثوا بواردنا
المعرفي وننساق وراء منشوراتهم وفق زيادة عدد المتابعات والمعجبين بها, فقد اصبحت إحدى
سمات هذا العصر هو نشر المعلومات قبل التحقق من صحتها. ومن هنا تبرز الحاجة لتصفية
تلك المعلومات وفلترتها.


فلترة المعلومات

يقول Gerhard Fischer 
الباحث وأستاذ علوم الحاسوب الالماني “يجب ان نركز على حاجتنا
للمعلومات الصحيحة في الوقت المناسب, في المكان المناسب, بالطريقة الصحيحة, من
الشخص المناسب ” فالـ
Information
Overload
يستهلك الوقت والانتباه وقوة الدماغ, لتعد سهولة نقل المعلومة عبر
الانترنت وعدم وجود طريقة او معيار لمقارنة المعلومات الواردة وربطها والتحقق من
صحتها من أهم أسبابه.

يعتبر Bertram
Gross
اول
من اطلق مصطلح  
information overload عام 1964 في كتابه The Managing of Organizations ليعاد نشره والإضاءة عليه على يد  Alvin
Toffler

عام 1970 في كتابه
 Future
Shock
, وهو ماعبروا عنه باختصار بأنه تجاوز
المدخلات لقدرة المعالجة العقلية مما يؤثر سلبا على حياتنا وعلى القدرة على اتخاذ
القرار ومدى جودته ويودي بنا إلى مزيد من التوترات والضغوط.


فالمعلومات الغير
مهمة يمكنها أن تستنزف قوة عقولنا بثرثرة لاطائل منها, فمن غير المعقول وغير
العملي ان يكون لدينا تلك القدرة الكبيرة على المشاركة والاستجابة لمصادر معلومات وفيرة
غير مهمة.


وعلى رأي Mitchell Kapor رائد الأعمال الأمريكي ” Getting information off the internet is like taking a drink from fire hydrant”  أي أن أخذ المعلومات من الانترنت يشبه إلى حد بعيد الشرب من مضخة ماء.

فكثيرا ما نجد اليوم إقبالا كبيرا ومتزايدا على تناول
المعلومة الصغيرة المقتضبة – والتي قد تخلو احيانا من مضمون علمي حقيقي – ليتسنى
لنا تناول معلومة تالية فأخرى… و بشكل نهم, مما يودي بنا إلى شكل من أشكال
التخمة العقلية وعسر هضم تلك المعلومات ليتبعثر وقتنا وتركيزنا وننهي يومنا مع
تخمة عقلية فارغة دونما غذاء معروف محدد نستطيع أن نبني معارفنا وننميها بناء عليه.


كما يلجأ جيل شباب اليوم إلى الإقبال والخوض في تدريبات
واختصاصات تعليمية تنتمي الى مسارات تخصصية مختلفة ليتمكنوا من تلبية متطلبات
العصر ومتطلبات سوق العمل من وجهة نظرهم, متناسين التركيز على مهارات تنبع من صميم
قدراتهم الابداعية ليعتنقوا حرفة أو مهنة او دراسة أكاديمية تقودهم نحو التفوق
العملي.


 فلا يمكن أن
تنجح في مجال التصميم على سبيل المثال إن لم تكن ذو مخيلة فنية, كما لا يمكن أن
تنجح في الانخراط في عالم المعلوماتية والأرقام ان لم تتمتع بذهن رياضي تتغلغل
المعادلات الرياضية بين أطراف خلاياه العصبية.


أخيرا ..

 لا يمكننا أن ننكر أن الثقافة والإطلاع ضرورة
من ضرورات العصر, فهي “معرفة شيء عن كل شيء وكل شيء عن شيء” كما جرت
العادة على تعريفها.. لكن فن فلترة المعلومات وتحديد أولوية اكتساب بعضها على بعض
يجب أن يكون نهجا يوميا خلال التعرض للكم الهائل من المعلومات.


وكما يقول Clay Shirky الكاتب الأمريكي والباحث في  التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لتقنيات الإنترنت بأنه قد لا يكون حمل زائدا من المعلومات بقدر ما يكون فشلا في تصفية وفلترة المعلومات “It’s not information overload. It’s filter failure“..

فتحديد أهمية المعلومة وأولويتها والوقت المناسب
لنيلها هي مهارة يجب أن تكون نابعة دوما من خلال خارطة طريق نرسمها لمهاراتنا
وتطلعاتنا لمستقبلنا ضمن مسارات نحددها ونلتزم بها, لنسعى لإنجاز أقصى ما نستطيع
وبنجاح في مجال ما, خصوصا إن أدركنا آلية عمل دماغنا وذاكرتنا عند تلقي المعلومة
وحقيقة مايحصل عند اندماجنا في تنفيذ مهام مختلفة في نفس الوقت, وهذا ما سنعمل على إيضاحه
لاحقا في الجزء الثاني من هذه المقالة تحت عنوان “الذاكرة”….

يتبع..


Shadi Mouhriz

Leave a Reply