عصر المعلومات الزائدة information overloaded (الجزء الثاني – الذاكرة)

عصر المعلومات الزائدة information overloaded (الجزء الثاني – الذاكرة)

عصر المعلومات الزائدة information overloaded (الجزء الثاني – الذاكرة)


تعد ذاكرة الإنسان محدودة في قدرتها على الإستخدام
الفعال والتعلم من المدخلات المعرفية, حيث يصنف علماء النفس الذاكرة عند الانسان
الى ثلاث مستويات مختلفة, تبدأ من “الذاكرة الحسية ” التي تحتفظ بشكل مؤقت
بالمعلومات القادمة من الحواس كالسمع والبصر,

 ثم
“الذاكرة العاملة” أو (قصيرة الأمد كما اصطلح عليها أيضا) والتي تستقبل المعلومات من الذاكرة الحسية وتحتفظ
بالانطباعات الحسية بعد معالجتها وربطها بالمنبه الأصلي, لينتهي المطاف إلى
“الذاكرة طويلة الامد” والتي يمكن اعتبارها بمثابة الأرشيف الذي يحتفظ
بالمعلومة بشكل أطول .

تحتوي الذاكرة طويلة الأمد على مساحات تخزينية يمكن ان
نصفها تجاوزا بأنها غير محدودة, تكون إمكانية استرجاع المعلومات فيها مقيدة بكثرة الإستخدام أكثر من
حدود مساحة وسعة تلك الذاكرة. 


فالذاكرة طويلة الأمد تحتفظ بالمعلومات في أدراج
للملفات وضمن مخططات تسهل الوصول إلى المعلومة لاحقا, حيث يتم استرجاع المعلومة من
خلال علامات للاسترجاع تساعد على فتح الدرج الصحيح ونقل المعلومة منه إلى الذاكرة
العاملة. 


بالتالي فإن استخدام المعلومة وتطبيقها يعزز حضورها ضمن الذاكرة طويلة
الأمد ويعزز من أهمية واولوية مخطط الوصول إليها, وهذه المخططات الطويلة الأمد هي
من تؤدي إلى وجود الخبرة مع مرور الزمن.


في عام 1956 وبورقة بحثية ل George Miller من جامعة برينستون, قال إن معظم الأفراد لا
يمكنهم الاحتفاظ إلا
بسبع وحدات من المعلومات في الذاكرة العاملة في وقت ما,
ويمكنهم فقط تنظيم ومقارنة ما لايزيد عن وحدتين إلى اربعة وحدات من المعلومات, وهذا
ما يعني ان الذاكرة العاملة سعتها محدودة للغاية مما يخلق قيودا حقيقية على قدرة
معالجة المعلومات وتخزينها في الذاكرة طويلة الأمد.



تعد سعة تخزين الذاكرة العاملة صغيرة لكنها مهمة للتعلم
وأداء المهام, فهي تتناول المعلومات ذات الصلة التي يتلقاها المتعلم ليتم تخزينها
في الذاكرة طويلة الأمد بعد تحديد المعلومات التي سيتم الربط معها وكيفية تموضعها
بين بقية المعلومات الموجودة إن صح التعبير.


 ومن هنا نستطيع أن نعرف مفهوما هاما وهو
الحمل المعرفي
Cognitive load بأنه كمية الجهد العقلي أو
 قوة المعالجة المعرفية (حسب نظرية Cognitive learning theory)المستخدم في تلك الذاكرة العاملة خلال وقت محدد, لعدد من
عناصر المعلومات ذات مستويات تعقيد مختلفة و مدى تفاعلها لتمنح المعرفة للمتعلم
.


بتعبير آخر.. فإننا نتعرض يوميا إلى كمية كبيرة من المعلومات في وقت
قصير, و قلة قليلة من تلك المعلومات يمكن أن تجد لنفسها ارتباطا ومستقرا في أدراج
الذاكرة طويلة الأمد ضمن مخططات المعلومات الموجودة, والتي من خلال تخزينها
وارتباطها بغيرها ومعرفة كيفية استخدامها تنشأ الخبرة التي تمكننا من اتخاذ
القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح.

وهذا ما أكده الدكتور Jerome Kassirer من كلية
جاكوبس للطب والعلوم الطبية الحيوية في جامعة بوفالو عام 1956 , بأنه لتطوير الخبرة في
حل المشكلات واتخاذ القرار لا يكفي تعلم كيفية العثور على المعلومات ولكننا نحتاج
أيضا الى تذكر المعلومات الموجودة ومعرفة كيفية استخدامها.




تسعى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة اليوم إلى عرض
العديد من المعلومات وتغرينا الكثافة المتدفقة من تلك المعلومات بالبحث عن المزيد, لكن… وبصرف النظر عن مدى موثوقية تلك المعلومات, يبقى سؤال هام يطرح نفسه, وهو أي من تلك
المعلومات قد عبر ذاكرتنا العاملة واستقر في ذاكرتنا طويلة الامد ليشكل حجرا من
أحجار المعرفة التي نبنيها مع مرور الأيام, وإلى أي حد تستطيع 
عقول مشتتة أن تبحث في ذلك السيل من المعلومات وتحث ذاكرتها العاملة على أن تخزن تلك
المعلومات ولو لفترة مؤقتة.


بالتالي فما نريد قوله أن ضخامة الحمل المعرفي لا يمكن أن تؤدي بشكل
او بآخر إلى تعاظم وقوة وجودة في عملية التعلم واكتساب الخبرة, وهذا ما يجب أن
ننتبه إليه على الدوام وأن نكون واعين له. 

فماذا عن قدرتنا على “التعامل مع المهام المتعددة” في نفس الوقت.. هذا ما سنتابعه في الجزء التالي من هذه السلسلة …


يتبع….


Shadi Mouhriz

Leave a Reply