بكثير من الوقت على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.. تتغير آلية تفكيرنا وعمل أدمغتنا.. فما الآثار السلبية للإنترنت على أدمغة البشر ؟!
قبل انغماسنا بعالم الكمبيوتر والانترنت ووسائل التواصل
الاجتماعي وتناثر ساعات يومنا بين لوحات مفاتيح أجهزتنا الذكية, كنا نعتمد على أدمغتنا
في حفظ المعلومة ورتابة تخزينها وربطها مع ماهو موجود وتجهيزها للربط مع المعلومات
المستقبلية. فكان دماغنا ناقدا يقلب المعلومة في كل الاتجاهات قبل أن يحجز لها
مكانا في ذاكرتنا قصيرة الامد, لتنتقل الى أرشيفها في الذاكرة طويلة الأمد كما قسمها
العلماء والباحثون.
الآثار السلبية للإنترنت على أدمغة البشر
إن الدفق الكبير في المعلومات حاليا والذي يردنا كل يوم من شاشاتنا
الصغيرة قد لايضعنا أمام متسع من الوقت للنقد والتمحيص والبحث وراء صحة المعلومات.
فنكتفي بالإطلاع على كثافة انتشار المعلومة مستدلين عليه من عدد ناقليها والمعجبين
فيها لتكون محل ثقة بالنسبة لنا, ولننتقل بعدها إلى معلومات أخرى, فهذا الدفق
المعلوماتي يجعلننا أمام ضيق وقت مزمن دائما, وفوضى عارمة في مخازن المعلومات لذاكرتنا
قصيرة الأمد تجعل من امكانية تذكر المعلومة في وقت لاحق ضرب من ضروب الخيال.
كما تقل الحاجة لتلك الذاكرة مع مرور الوقت. فـ Google كفيل برفدنا
بكافة المعلومات التي نريدها عند الحاجة وبسهولة شديدة, وهذا ماتم تعريفه بـ
“تأثير غوغل” أو “فقدان الذاكرة الرقمية Digital Amnesia ” من
خلال بحث أجراه مجموعة باحثين أمريكيين في عام 2011, عادت لتؤكده وتعمل عليه شركة
Kaspersky التي تعمل في مجال الأمن الرقمي من خلال بحث أجرته على شريحة عمرية امتدت
من عمر ال16 حتى 55 عام لتصل إلى نفس النتيجة بعدم الحاجة الى الإحتفاظ بالمعلومات
طالما أنها سهلة المنال. ولنعتمد على ذاكرة تشاركية متبادلة Transactive Memory كما وصفها “بيتسي سبارو” أحد الباحثين
من جامعة كولومبيا عام 2011 تدفع حافز تذكر معلومات وجدناها سابقا في بحثنا على
الانترنت للإضمحلال.
ومن الملفت للنظر ووفق دراسة شارك فيها العديد
من الباحثين من جامعة برنستون ونشرت في مجلة علم النفس التجريبي, وجدوا أن الناس
الذين يسعون الى توثيق تجاربهم وذكرياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لايحتفظون
بذاكرتهم بكثير من تلك الذكريات, لابل وقعوا بكثير من الأخطاء عند اختبارهم بتذكر
تلك الأحداث المنشورة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي, كما تبين وحسب نفس
الدراسة أن أخذ الصور اثناء الاستمتاع بتلك الذكريات سيقطع عملية حفظها وتذكرها في
الذاكرة إضافة إلى قطع عملية الاستمتاع بحد ذاتها لنكون قد فقدنا كلا الميزتين .
تتالى يوميا العديد من الاشعارات والتعليقات من مختلف وسائل
التواصل الإجتماعي والتي قد تزعجنا بصوت تنبيهاتها في كثير من الأحيان لغزارتها, فتحفز
فينا الرغبة بطريقة أو بأخرى إلى التجاوب والتفاعل معها بشكل مفترس لتركيزنا
وانتباهنا ومحولا عملية إدراك وتعلم المعلومات والمهارات الجديدة حتى الدراسية
منها إلى عملية مضنية وشاقة تستغرق وقتا وجهدا أكثر بكثير مما ينبغي.
وقد أطلق فيما بعد على هذه الظاهرة اسم FoMO (وهو مصطلح
صاغه عام 2004 Patrick J.
McGinnis في
مقالة نشرت له في مجلة كلية هارفارد لإدارة الأعمال, والمصطلح هو اختصار ل Fear of Missing Out Hو الخوف من فوات الشيء) وهو
حالة من حالات القلق القهري لفقدان علاقة اجتماعية Hو فقدان الاطلاع والتواصل
المستمر والدائم مع بقية Hفراد شبكتنا في وسائل التواصل الاجتماعي.
بالتالي وبما أن آلية عمل أدمغتنا متكيفة فيزيولوجيا
وكيميائيا مع اكتساب المعلومات وربطها والاحتفاظ بها من خلال نواقل عصبية تحررها
الخلايا العصبية فيما بينها بشكل فائق الدقة, فإن آلية عمل الدماغ وتكوينه قد اختلفت إلى حد بعيد ومتباين بين زمني ماقبل الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي ومابعدها.
لذلك لا بد لنا من البقاء يقظين إلى الوقت المحدد الذي
نضعه لاستخدام تلك التقنيات, ولطبيعة وصحة وكمية وتصنيف المعلومات التي تتخمنا بها,
حتى نحافظ على عقل ناقد بذاكرة متقدة يقود عملية اكتسابه للمعلومة وربطها وتخزينها
وتذكرها ليصل إلى المعرفة المنشودة بأقل الآثار السلبية ..
Shadi Mouhriz